قال لي صديق أديب: دعني يا فلان دعني ... فإن سراج حياتي يخبو وشمعتي تذوب وما أخالني إلا ميتا عما قريب، أو دائرا في الأسواق مجنونا... انني انتهيت.. بعت رأسي وقلبي برغيف من الخبز. قلت: أربع عليك أيها الرجل وأخبرني ما بك، فلقد والله أرعبتني. قال: وما ذا بي إلا أني معلم في مدرسة ،نهاري نهار المجانين وليلي ليل القتلى، فمتى أفكر، ومتى أكتب، وأنا أروح العشية إلى بيتي مهدود الجسم، مصدوع الرأس، جاف الحلق، فلا أستطيع أن أنام حتى أقرأ مئة حماقة، وأصحح مئة كراسة، فإذا انتهيت من هذا كله عمدت إلى دفتر تحضير الدروس وهو الموت الأحمر، والبلاء الأزرق الذي صب علينا هذا العام صبا، حتى إذا بلغت آخر كلمة فيه سقطت في مكاني قتيلا فحملت إلى السرير حملا فنمت نوما مضطربا ملؤه الأحلام المزعجة أبصر المفتش يتكلم من فوق المآذن فلا يدع قاعدة من قواعد التربية ولا نظرية من نظريات التعليم ظهرت في فرنسا أو انكلترا إلا أرادني على تطبيقها في فصل فيه سبعون تلميذا قد حشيت بهم المقاعد حشوا، وصفوا على الشبابيك، ووضعوا على الرفوف، مما لا يرضى عنه منهج من مناهج التربية ولا قانون من قوانين الصحة، ولا أزال حتى يصبح الصباح فأفيق مذعورا أخشى أن يسبقني الوقت فلا أدري كم ركعت وكم سجدت ولا كيف أكلت ولبست أهرول إلى المدرسة لا أستطيع التأخر عنها ولو طحنتني الأوجاع أو أحرقتني الحمى لأن المعلم لا يمسح له القانون أن يمرض في أيام المدرسة وعنده أربعة شهور "عطلة الصيف" يستطيع أن يمرض فيها فإذا خالف ومرض حرم الراتب ومنع العطاء.
قلت: هذه والله حالي فلست ألومك فرج الله عني وعنك
قلت: هذه والله حالي فلست ألومك فرج الله عني وعنك