بيادرنا



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

بيادرنا

بيادرنا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بيادرنا

منتدى تعليمي خاص


    سيدنا اٌبو بكر الصديق

    avatar
    ????
    زائر


    سيدنا اٌبو بكر الصديق Empty سيدنا اٌبو بكر الصديق

    مُساهمة من طرف ???? 06/01/10, 06:48 pm



    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
    أيها الإخوة المؤمنون : مع الدرس الواحد و السبعين من دروس سير صحابة رسول الله رضوان الله سبحانه و تعالى عليهم أجمعين ، و مع الدرس الثالث من سيرة سيدنا الصديق رضي الله عنه و أرضاه .
    أيها الأخوة :تعلمون أن النبي عليه الصلاة و السلام قال : " ربوا أولادكم أو أدبوا أولادكم على حب نبيكم ، و حب آل بيته و تلاوة القرآن "
    كيف يترجم هذا الحديث ؟ ترجمة سيدنا سعد بن أبي وقاص حينما قال : كنا نعلم أبناءنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلمهم السور من القرآن ، فإذا أردت أن تنشئ أولادك على حب رسول الله ينبغي أن تبصرهم بكمالاته ، بأخلاقه ، برحمته ، بعلمه ، هذا هو العمل الإيجابي لتنشئة أولادك على حب رسول الله ، و نحن الكبار من باب أولى أننا إذا أردنا أن نعرف النبي عليه الصلاة والسلام فلا بد أن نقرأ سيرته ، و إذا أردنا أن نعرف هؤلاء الذين رضي الله عنهم بنص القرآن الكريم فلا بد كذلك من قراءة سيرتهم ، ولا تنسوا أيها الإخوة حديث عَبْدِ اللَّهِ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ *
    (متفق عليه)
    فأنت إذا قرأت سير صحابة رسول الله فأنت مع النخبة الممتازة من البشرية ، إذْ قد نعيش في زمنٍ الناسُ فيه حثالة ، وفيه من اللؤم ، من الخسة ، من الدناءة ، من الأنانية ، من القسوة ، من السقوط ، من الانحطاط ما لا سبيل إلى وصفه .
    إخواننا الكرام : أوضِّح لكم هذا بمثل ، أنت في أشد حالات الجوع ، وعندك قطعة لحم من الطراز الأول مشوية بطريقة رائعة ، وإلى جانبك أطباق من المقبلات ، أليس هذا الطبق من اللحم أنفس طعام تأكله ، فقطعة اللحم نفسها لو تركتها في جو حار سبعة أيام لظهرتْ منها رائحة لا تقابل ، هي نفسها ، فالإنسان إذا اتصل بالله عز وجل صار كاملاً ، فإذا أعرض عنه صار فاسداً ، مفسداً ، منحرفاً ، فمشكلة الناس اليوم أنهم إذا جلسوا في بيوتهم مع أصدقائهم ، في ندواتهم ، في سهراتهم ، في لقاءاتهم ، في احتفالاتهم ، في أحزانهم ، في سفرهم ، في حضرهم ، في لقاء عابر ، في لقاء مبرمج ، في لقاء مدروس ، يتحدثون عن بعضهم بعضاً ، وقد يقعون في غيبة أ, نميمة أو نحوهما ، فيكونون في سخط الله سبحانه ، والناسُ كما نرى قد انحرفوا وقصروا ، فالحديث عن القبائح يشيع في المجلس الشعور بالكآبة ، الحديث عن الخسة ، الحديث عن الاغتصاب ، الحديث عن أكل مال الناس بالباطل ، هذا يشيع في المجلس الانقباض ، لكن الحديث عن الكمال الإنساني ، عن نماذج بشرية رائعة جداً ، عن نماذج بشرية متفوقة ، هذا يدفع إلى الكمال ، فأنا أنصح إخوتنا كمقدمة لهذا الدرس ، فهل بيننا أحد من إخواننا الكرام ليس له أهل ، ليس له بيت ، ليس له أولاد ، ليس له أخوات ، ليس له أقارب ، هل هناك إنسان ليس له لقاءان أو ثلاثة في الأسبوع ، لا يدعى على غداء ، على عشاء ، لا يسهر مع إخوانه ، أليس له دوْر ينتظمه ، لا أحد ليس له نشاط اجتماعي ، في هذه اللقاءات عمَّ تتكلم ؟ عن الأسعار أو غيرها ؟ شيء يدعو للانقباض ، فوطّن نفسك أن تبلغ عن رسول الله ولو آية ، وطّن نفسك أن تحدث الناس عن سيرة رسول الله ، وعليك أنْ تَتَعلّم وتعلِّم ، فإذا تعلمت وعلمت أؤكد لك أنك أفضل مخلوق على الإطلاق ، من أين جئت بهذا الكلام ؟ طالبني بالدليل ، عن عُثْمَانَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ "
    (رواه البخاري)
    تجاوز ذاتك ، تجاوز مصالحك ، تجاوز الظروف التي يعاني منها الناس جميعاً ، انطلق إلى خدمة الآخرين ، انطلق إلى تعليمهم ، انطلق إلى الأخذ بيدهم ، فهذه الدروس التي من هذا القبيل هي ثمار يانعة .
    نحن الآن مع صحابي جليل ، يعد من قمم صحابة رسول الله ، بل أعلاهم قدراً على الإطلاق ، صحابي جليل والله لو وزن إيمان الخلق مع إيمانه لرجح ، صحابي جليل ما ساء رسول الله قط ، صحابي جليل بلغ مِن قدره أنهما دعا النبي أحداً إلى الإسلام إلا كانت له كبوة إلا أبا بكر ، فإنه لم يتلعثم ، يعني هذا النموذج الفذ الرائع ألا ينبغي أن نقتدي به ، أن نتمثله ولا سيما وأنتم تعلمون أن لكل واحد منا شخصية يتمنى أن يكونها ، وشخصية يكره أن يكونها ، و شخصية يكونها ، فإذا سألت عن الشخصية التي تتمنى أن تكونها فلا بد من شخصية فاضلة تستقي منها ، وترتوي مِن مَعِينها ، فالمؤمن يتمنى أن يكون من الذين رضي الله عنهم و رضوا عنه ، من الذين أحبوا الله و أحبهم الله ، من الذين أخلصوا دينهم لله فأخلصهم الله بخالصة التقوى ، هذا الصحابي الجليل أؤمن واللهِ ولا أبالغ أنّه يعد بحق كما قال المؤرخون : المؤسس الثاني للإسلام ، لأنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الذين دخلوا في دينه أفواجاً قد خرجوا منه أفواجاً ، كذلك فالشيء الذي تصله بسرعة تفقده بسرعة ، من أخذ البلاد بغير حرب ، يهون عليه تسليم البلاد .
    هؤلاء الذين آمنوا بالتقليد وبالعفوية ، وآمنوا لأن الناس جميعاً آمنوا ، ودخلوا في هذا الدين لأن الناس جميعاً دخلوا فيه ، هؤلاء سريعاً ما خرجوا من هذا الدين ، لذلك ظهرت الردة .
    بعد وفاة رسول الله ، تضعضع الصحابة أيضًا ، وذلك لأن أصحاب رسول الله رضوان الله تعالى عليهم ما كانت نفوسهم مهيَّأةً لتلقي نبأ وفاة رسول الله ، شيء فوق الحسبان ، فوق أن يتوهموا هذا الشيء ، فضلاً عن أن يعاينوه ، أيموت محمد عليه الصلاة والسلام ؟ أعوذ بالله ، فلذلك هزَّ هذا النبأ أركان عملاق الإسلام ، حتى قال : واللهِ من يقل : إن محمد رسول الله قد مات لأضربنّ عنقه ، إنه لم يمت ، ذهب إلى ربه وسيعود ، كل أصحاب رسول الله مادت بهم الأرض وتزلزلت ، ولم يكن إلا هذا الصحابي الجليل الذي بقي كالجبل الأشم ، على الرغم من شدة حبه للنبي وتعلقه به ووفائه له بقي صامداً كالجبل ، قال : من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيّ لا يموت .
    والله الذي لا إله إلا هو لو لم يكن لهذا الصدِّيق إلا هذه الكلمة وهذا الموقف لكفت ، احتفظ برباطة جأشه ، في أحلك الساعات ، بقي واقفاً على قدميه وقد تزلزلت من تحت أصحاب رسول الله الأرض ، لكن النبي عليه الصلاة والسلام له إشارات لطيفة ، في أثناء مرضه فعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ : مَرِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاشْتَدَّ مَرَضُهُ فَقَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، قَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ ، فَقَالَ : مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ *
    (متفق عليه)
    إشارة إلى أنه الخليفة .
    السيدة عائشة ابنته تعرف أن أباها رقيق القلب ، كثير البكاء ، لا يحتمل أن يقف مكان رسول الله ، هذا من شدة الوفاء ، لا يحتمل أن يرى نفسه يصلي بالناس مكان النبي عليه الصلاة والسلام ، فقالت : يا رسول الله إنّ أبا بكر رجل رقيق القلب ، وأنّه إذا قام مقامك غلبه البكاء ، فمر عمر أن يصلي بالناس .
    وحين روجع النبي عليه الصلاة والسلام غضب أشد الغضب ، وقال : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ ، قَالَتْ عَائِشَةُ : إِنَّهُ رَجُلٌ رَقِيقٌ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ، قَالَ : مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَعَادَتْ ، فَقَالَ : مُرِي أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَإِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَأَتَاهُ الرَّسُولُ فَصَلَّى بِالنَّاسِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ *
    (متفق عليه)
    إنه إصراٌر على أن يصلي مكانه الصديق ، وهذه شهادة من النبي عليه الصلاة والسلام لهذا الصحابي الجليل ، بأنه أول أصحاب رسول الله قدراً ، وعلماً ، وإيماناً .
    صلى الصديق مكان رسول الله وامتثل الأمر وهو لا يدري أو لعله كان يدري أنه في تلك اللحظة كان يتسلم الراية من رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحملها من بعده ، لكن هذا الصحابي الجليل حينما توفى الله رسوله و قبضه إليه و اختار النبيُّ الرفيق الأعلى ، وانتقل إلى الدار الآخرة ، لكن هذا الصحابي الجليل الصديق فوجئ أن فتنة كادت تقع بين أصحاب رسول الله ، فيهم المهاجرون ، و فيهم الأنصار ، المهاجرون أصحاب السبق في الإسلام ، و الأنصار هم الذين آووا و نصروا ، فمن أيّهم يكون خليفة رسول الله ؟ أمِنَ المهاجرين ، أم من الأنصار ؟ لذلك واجه هذا الصحابي مشكلة وفتنة ليست في صالح المسلمين ، مع أن علماء السيرة يؤكدون تأكيداً شديداً أنّ هذا الصحابي الجليل كان أبعد الناس عن أن يتمنى أن يكون مكان رسول الله ، كان عازفاً عن الخلافة والنبي عليه الصلاة والسلام أعطانا قاعدة ذهبية هي :" طالب الولاية لا يُوَلَّى "
    طالب الولاية لا يولى لأنه يرغب في مغانمها ، والولاية ليست مغانم بل مغارم ، أعباء ، كما قال سيدنا عمر : لست بأفضل من أحدكم ولكنني أثقلكم حملاً .
    لكن هذا الصحابي الجليل لا يحتمل أن يرى فتنة تنشب بين أصحاب رسول الله ، ولا يحتمل ذلك ، وهذا شأن المؤمن ، المؤمن يعنيه أمر المؤمنين ، من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، تقول : لا دخل لي أنا مشكلتي محلولة ، يكفيني ، والمسلمون لهم الله عز وجل ، هذا كلامُ ضعافِ المؤمنين ، المؤمن الصادق يشعر أن كل مؤمن أخوه في الإنسانية و الإيمان ، يعنيه ما يعنيه ، يؤلمه ما يؤلمه ، يفرحه ما يفرحه ، هذه المشاركة الوجدانية بين المؤمنين هي علامة إيمانهم ، و أنت أيها الأخ الكريم في اللحظة التي تشعر أنه لا علاقة لك بأحد ، ما لك و للناس ، وتقول : لا يكفي الناس إلا رب الناس ، هذا الشعور مَرَضي ، وهو شعور المقصرين ، أما المؤمن الصادق يشعر أنه واحد منهم ، و أنه عضو في أسرة ، وأنه إن أصاب مسلماً مكروهٌ أصابه ، و إن أصاب مسلماً خيرٌ أصابه ، فهذه علامة صدق الإيمان أيها الأخوة ، أسألك بالله هل تفرح لأخيك إذا تفوق أو إذا ارتقى أو إذا اغتنى أو إذا تسلم منصباً رفيعاً أو إذا تزوج أو إذا اشترى منزلاً أو إذا اشترى مركبة أو إذا لمع اسمه ؟ هل تفرح له أم تحسده ؟ هنا تظهر علامة إيمانك .
    أحد الأدباء وصف إنساناً ، وأنا أرى أن هذا الوصف ينطبق على سيدنا الصديق ، قال : "كان يُرى ضعيفاً مستضعفاً ، فإذا جدّ الجد فهو الليث عادياً" ، رقيق ، نحيل ، يحب الظل ، لا يحب الظهور ، لا يحب الاستعراض ، ولا التبجح ، ولا عرض العضلات ، هذه صفات الضعاف ، ضعاف النفوس ، أي أن اتصاله بالله ومحبته لله عز وجل وشعوره أن الله يحبه هذا يغنيه عن استجداء مديح الناس ، وعن أن يزهو أمامهم ، لذلك كلما اشتدت الرغبة في أن يظهر الإنسان فهذا ضعف في إخلاصه ، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه : ((ما جلست مجلساً أردت فيه أن أرتفع إلاّ اتضعت ، ولا جلست مجلساً أردت فيه أن أتضع إلا ارتفعت)) ، إذا أردت أن تتضع رفعك الله ، وإذا أردت أن ترتفع وضعك الله ، كن عبد الله ، شعور العبودية لله عز وجل شعور ثمين جداً ، يعني رجل وديع ، أواب ، قرة عينه في الصلاة ، في الإنابة إلى الله ، في خدمة رسول الله ، في الإخلاص له ، فجأة وجد نفسه في معمعة الأحداث ، وهو المسؤول الأول ، مثلاً قد يكون الابن في حياة والده مرتاحًا ، لكن فجأة يقبض والده ، وهو أكبر إخوته ، وهناك مسؤوليات ، وأعمال ، وأيتام ، فوضعته المحنة أمامهم ، لذلك في الحياة مجالات كثيرة للبطولة ، وأنا أعرف شابًا حينما توفي أبوه ترك له أخوات ، فلم يتزوج إلا بعد أن يسّر لكل أخواته الزواج المناسب ، والبيت المناسب ، واطمأن عليهن جميعاً ، ثم تزوّج ، فهذا بطل حقًّا .
    هناك نقطة مهمة جداً أرجو أن تكون واضحة عندكم وأنتم بحاجة إلى إدراكها فيما أعتقد ، فأحياناً يأتيني أخ يقول : أنا أشعر بكذا وكذا وأنا متألم جداً من هذا الشعور ، أو تأتيني خواطر أنزعج منها أشد الانزعاج ، فماذا أفعل ؟ أنا عندي مقياس دقيق ، أقول لهذا الأخ : إذا جاءتك هذه الخواطر هل تنزعج ، أم لا تنزعج ؟ يقول لي أنزعج أشد الانزعاج ، أقول له : فهذه ليست منك إذاً ، هذه دخيلة عليك ، هذه من الشيطان ، لا تعبأ ولا تخف ، ولا توجل ، لكنْ إذا جاءتكم هذه الخواطر ، وارتحتَ إليها ، وركنتَ إليها ، فهي منك ، وهي علامة المرض الشديد ، علامة التقصير ، في الحقيقة أنَّ الصحابة الكرام عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أعلى درجات التعاون والتكاتف .
    ذات مرة ذكرت لكم أن النبي عليه الصلاة والسلام كان في غزوة وتفقد أحد أصحابه ، فواحد من هؤلاء غمز من قناته ، فقال : شغلته دنياه يا رسول الله ، إلى أن قام أحدهم وقال : لا والله يا رسول الله ، والله لقد تخلف عنك أقوام ما نحن بأشد حباً لك منهم ، ولو علموا أنك تلقى عدواً ما تخلفوا عنك .
    فالأصل ما كان بين الصحابة إلاَّ الود ، والوفاء ، والحب ، لكن هذا الموقف الذي جرى يوم السقيفة كما يقول علماء السيرة كان هجيناً عليهم ، ليس من عادتهم ، ليس من طباعهم ، ليس من سجيتهم ، ليس من شأنهم ، ليس من أخلاقهم ، ليس من أخلاق المؤمنين التنافس ، إذاً الاضطراب الذي حصل عقب وفاة رسول الله ، هذا الاضطراب ليس أصيلاً عند المؤمنين ، لكنه هجين عليهم ، ألم أذكر لكم من قبل أن بين الأوس والخزرج في المدينة ما صنع الحداد قبل الإسلام ، فلما دخلوا في دين الله أفواجاً وأسلموا وحسن إسلامهم ، واتصلوا بربهم ، صاروا من الأخوة ، والمحبة ، والوفاء ما لا يوصف ، أحد اليهود آلمه أن يكون هذا الوئام بينهم ، فأرسل غلامه بقصيدة قيلت مِن قبلُ في هجاء بعضهم ، وجعل هذا الغلام يتلو على أسماعهم هذه القصيدة ، يعني في ساعة غفلة بعضهم تحمس ورد آخر عليه بقصيدة أخرى ، إلى أن نشب خلاف بين أصحاب رسول الله ، أي بين الأنصار بالذات ، فخرج عليهم النبي عليه الصلاة والسلام مسرعًا وقال : أتختصمون وأنا بين أظهركم ، فهذا موقف ليس أصيلاً فيهم ، بل هو هجينٌ بالنسبة لهم ، هذا الموقف دخيل عليهم ، فنزل قوله تعالى :

    ( سورة آل عمران )
    فالله عز وجل سمى هذه الفرقة كفراً ، وهذا الشقاق كفراً .
    سيدنا الصديق وضع ميزانًا تطمئن نفوسهم إليه ، الميزان أخذه من القرآن ، ماذا قال الله عز وجل ، قال :

    ( سورة التوبة )
    المهاجرون قبل الأنصار منزلة ، وقُدموا في الآية ، والسابقون منهم لهم شأن آخر ، ولهم مكانة علية ، فسيدنا الصديق استناداً لهذا التقييم القرآني أراد أن يجعل الخلافة في المهاجرين و فيمن هم قمم الصحابة الذين شهد لهم النبي عليه الصلاة والسلام ، لو كان نبي بعدي لكان عمر ، وقال أيضًا : أبو عبيدة الجراح أمين هذه الأمة .
    ومرّ بكم من قبل أنّ سيدنا الصديق يوم السقيفة أراد أن يحسم النزاع ، وأن ينهي الخلاف ، فقال : يا عمر ، مدّ يدك لأبايعك ، فسيدنا عمر قال : أنت أفضل مني ، فقال الصديق : بل أنت أقوى مني ، فقال عمر : قوتي إلى فضلك ، وأنا خادم لك ، قوتي لك ، هذه رواية مرت بنا من قبل ، وسيدنا الصديق يذكر قول النبي عليه الصلاة والسلام حينما يذهب إليه العباس ، عمه ، يسأله أن يوليه ولاية ، فأجابه عليه الصلاة والسلام : إنا والله لا نولِّي هذا الأمر أحداً يسأله ، أو أحداً يحرص عليه .
    الولاية عبء أي مغرم وليست مغنماً ، ألم يقل سيدنا عمر لأحد ولاته : ماذا تفعل إذا جاءك الناس بسارق أو ناهب ؟ قال : أقطع يده ، فقال عمر : إذاً فإنْ جاءني من رعيتك من هو جائع أو عاطل فسأقطع يدك ، ثم قال له مستدركًا : إن الله قد استخلفنا على خلقه لنسد جوعتهم ، ونستر عورتهم ، ونوفر لهم حرفتهم ، فإن وفينا لهم ذلك تقاضيناهم شكرها ، إن هذه الأيدي خلقت لتعمل فإذا لم تجد في الطاعة عملاً ، التمست في المعصية أعمالاً فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك بالمعصية .
    دققوا ، فهذه قاعدة حكيمة ، فالذي قاله النبي عليه الصلاة والسلام وحي يوحى قال تعالى :

    ( سورة النجم )
    قال عليه الصلاة والسلام : إنا والله لا نولِّي هذا الأمر أحداً يسأله ، أو أحداً يحرص عليه ، إذاً لو أن إنساناً عرض نفسه على الخلافة ، بحسب هذه القاعدة ، لا يجوز أن نوليه إياه ، فسيدنا عمر في هذه الأزمة وتلك الفتنة همّ أن يتكلم ، لكن سيدنا الصديق أشار إليه أن اسكت ، وتولى هو الكلام وقال : يا معشر الأنصار ، إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل ، فالكلام الحكيم ، الكلام الذي يطيِّب القلب ، الكلام الذي يثلج الصدر ، يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلاً إلا وأنتم له أهل ، هكذا بدأ الصديق قوله ، ثم راح يتحدث عن وحدة المسلمين ، وعن فضل الأنصار ، وعن فضل المهاجرين ، وعن وصية النبي عليه الصلاة والسلام ، وقال : إني أرشح للخلافة أحد اثنين : عمر بن الخطاب الرجل الذي أعز الله الإسلام به ، وأبا عبيدة بن الجراح الذي وصفه النبي الأمين أنه أمين هذه الأمة ، واقترب منهما أبو بكر وتوسطهما ورفع ذراعيهما بكلتا يديه وقال للناس : لقد رضيت أحد هذين الرجلين عمر وأبي عبيدة ، وارتعدت يد عمر كأنما سقطت عليها جمرة ملتهبة ، وغطى أبو عبيدة عينيه الباكيتين في حياء شديد ، وصاح عمر : لا بل أنت .
    إخواننا الكرام : الصحابة الكرام كان يعرف بعضهم قدر بعض ، كانوا يعرفون أقدار بعض ، قال سيدنا عمر : والله لئن أقدّم فيضرب عنقي في غير إثم ، أحبّ إلي من أن أُؤَمِّر على قوم فيهم أبو بكر.
    هذا مشهد مسجل له ، قال تعالى :

    ( سورة آل عمران )
    الحياة مواقف ، هل هناك موقف أعظم عند الله من أن تعبده ثمانين عاماً ؟ هناك مواقف مشرفة يقفها المؤمن في لحظات حرجة هي أغلى عند الله من يعمّر رجل مائة ألف إنسان ، لكنه أصر على أن يكون الخليفة أبا بكر ، وذكرت قبل قليل كيف أنه قال : يا عمر أنت أقوى مني ، قال بل أنت أفضل مني ، فقال عمر : قوتي لك مع فضلك ونتعاون ، الحقيقة ما غربت شمس ذلك اليوم إلا وانتهت هذه الفتنة بحكمة هذا الصحابي الجليل وموقفه الحازم ، كان في الظل فإذا هو في وضح النهار يتحرك كأنه الفارس ، كان يؤثر أن يكون مع رسول الله ، فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم شعر أن واجبه تجاه الإسلام كبير جداً لذلك شمر و أقدم ، أي هناك أشخاص يتدخلون في الوقت المناسب فيفعلون المعجزات ، أما المشكلة الأكبر فهي أنّ حياته كانت كلها مشكلات رضي الله عنه ، والمشكلة الأكبر كما قلت قبل قليل هي في الذين دخلوا في دين الله أفواجاً دخلوا بسرعة وبعفوية ، بل دخلوا في هذا الدين تقليداً ، إذاً هؤلاء حينما توفي النبي عليه الصلاة والسلام طمعوا في أن يتخففوا من أعباء الإسلام ، لا صلاة ولا زكاة ولا صيام ، وطمعوا أن يبتدعوا لأنفسهم نبوات ، فالقضية سهلة في نظر بعضهم ، محمد نبي ، وفلان نبي ، فعادوا إلى عنعناتهم ، إلى عصبياتهم ، فلذلك واجه الصديق موقفاً صعباً جداً ، وهو أن معظم الذين دخلوا هذا الدين الجديد قد خرجوا منه و ارتدوا ، و هناك من يظن أنهم بقوا في بلادهم يتأهبون للقتال ، وهناك من أتاه بمعلومات أنهم يستعدون للهجوم على المدينة وها هم أعلنوا عداءهم بأنْ بدؤوا بمنع الزكاة ، فسيدنا الصديق لا تلين له قناة ، قال : و الله لو منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله عليه و سلم لقاتلتهم عليه بالسيف ، لا يفرق بين الصلاة و الزكاة أبداً ، أي وقف موقفاً تهد له الجبال ، أحياناً الإنسان يختار أنصاف الحلول ، يأخذ ويعطي ، يكون مرناً ، لكن الصديق أمام قضية مبدأ ، كانوا أصحاب مبادئ ، أما الآن أصحاب مصالح ، يضحي بالخمسين ليأخذ المائة ، يقفون عند أنصاف الطرق ، يتفاوضون على أنصاف الحلول ، لكن هذا الصحابي الجليل قال : واللهِ لو منعوني عقالَ بعيرٍ كانوا يعطونه لرسول الله صلى الله عليه ، وسلم لقاتلتهم عليه بالسيف ، وهناك مَن سأله سيدنا عمر هذا السؤال الحرج ، كيف تقاتل قوماً يشهدون أنه لا إله إلا الله وقد أخبر النبي عليه الصلاة و السلام أنه من قالها فقد عصم دمه و ماله ، نقل عمر مقالتهم ، سؤال يا خليفة رسول الله : كيف تقاتل قوماً يشهدون أنه لا إله إلا الله ؟ وقد أخبر النبي عليه الصلاة و السلام أنه من قالها فقد عصم دمه و ماله عندئذ قال الصديق رضي الله عنه : ألم يقل النبي صلى الله عليه و سلم إلا بحقها .
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ *
    (متفق عليه)
    قال النبي : " من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة "
    و هناك حديث آخر : " من قال لا إله إلا الله بحقها عصم مني دمه و ماله "
    سيدنا الصديق متذكر كلمة "بحقها" ، قال و من حقها أن يؤدِّيَ الزكاة ، فمن لم يؤدِّ الزكاة لم يقلها بحقها : إذاً لا بد أن يحاربهم .
    الحقيقة أن القوّاد العظام ، زعماء الأمم ، القادة التاريخيون الذين تناط بهم مصائر الأمم ، هؤلاء يحملون صفات فذة في شخصياتهم ، أولى هذه الصفات : أن يكونوا رجال مبادئ ، بالمبادئ لا توجد مساومات على مستوى المبادئ المساومة غير مقبولة ، فكان الصديق في هذا المستوى الرفيع .
    سيدنا عمر يقول : فما هو إلا أن شرح الله صدري لرأيِ أبي بكر ، أي بعد قليل ألهم الله سيدنا عمر رأي أبا بكر ورآه صواباً ، وابن مسعود رضي الله عنه قال كلمات دقيقة جداً ، قال : ((لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أن الله مَنَّ علينا بأبي بكر)) دققوا في هذا القول ، وكان سيدنا عمر في أعلى درجات الحكمة ، فإذا رأى من أصحاب رسول الله تململاً أو اعتراضاً أو انتقاداً أو رأياً لا يراه الصديق ماذا كان يفعل ؟ كان يتبنى هذا الرأي ويعرضه على الصديق فإذا وقف الصديق موقفاً صلباً تعلَّق به مِن دون أن يجعل مواجهة بين الصديق وبين أصحابه ، فيروى أن النبي عليه الصلاة والسلام قبيل وفاته أمر أن يُجيَّش جيشٌ لحرب الروم ، وأمر أن يكون على رأسه شاب يسمى أسامة بن زيد لا تزيد سنه عن سبعة عشر عاماً ، لكن بعد أن توفي رسول الله الجيش إلى حين ، فالصحابة رأوا أنه ليس من العقل أن ينطلق هذا الجيش لحرب الروم ، بينما الجزيرة قد ارتد المسلمون فيها ، فهل من المعقول أن يُوجِّه المسلمون جيشًا إلى أقاصي البلاد ، وعندهم فتنة داخلية ، والعاصمة مكشوفة ، والناس قد ارتدوا ، وأرادوا أن يكيدوا للمسلمين ، فصار هناك آراء متفاوتة ، يقول سيدنا عمر ، كما قلت قبل قليل لعله رأى ذلك ، أو لعله أراد أن يعرض على الصديق رأي أصحابه ، لو أنك جَمَّدت هذا الجيش ، لِمَ ترسل هذا الجيش ؟ لو ادّخرته لحرب المرتدين ، فلما أصرّ على إرسال الجيش ، قالوا : إنّ هذا القائد صغير السن ولا يعقل أن يكون كفْئًا لهذه المعركة ، فيقال : إن سيدنا الصديق قبض لحية عمر ، وأمسكها بيده ، وهزّها هزاً شديداً ، حتى كادت أن تنخلع بيده ، وقال : يا عمر ثكلتك أمك ، أجَبَّار في الجاهلية ، خوّار في الإسلام ، أتمنعني أن أجيّش جيشاً جيَّشه رسول الله ، أتمنعني أن أولي على هذا الجيش أسامة بن زيد ، وقد أمّره رسول الله ، هذا هو الإيمان ، نبي هذه الأمة يجيِّش جيشاً ، وأنا لا أرسله ، نبي هذه الأمة يعين قائداً وأنا لا أقره ، فمَن أنا ؟.
    هذا هو الموقف الذي لولاه لقُضِيَ على الإسلام ، ولما كنا نحن مسلمين ، قلت لكم في بداية الدرس يعد هذا الخليفة العظيم المؤسس الثاني للأمة الإسلامية ، إذا كان النبي عليه الصلاة والسلام هو المؤسس الأول ، فالصديق هو المؤسس الثاني ، ولا تنسوا قول سيدنا ابن مسعود : لقد قمنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاماً كدنا نهلك فيه لولا أن الله منّ علينا بأبي بكر .
    قال أبو بكر : أنفذوا بعث أسامة ، فو الله لو تخطّفتني الذئاب لأنفذته كما أمر رسول الله ، وما كنت لأردّ قضاءً قضاه رسول الله .
    هذا هو الإيمان ، ونحن أيها الإخوة إذا كلّفك الله بأمرٍ تكليفيٍّ ، وكلّفت بأمرٍ في كتاب الله ، أتتردد في إنفاذه ؟ دققوا في هذه الآية :

    ( سورة الأحزاب )
    بالمناسبة ثم إنّ سيدنا أبا بكر مشى في ركاب سيدنا أسامة بن زيد القائد الفتى ، لم يحتمل هذا القائد الفتى أن يركب على ناقة ، وهو قائد الجيش ، وخليفة المسلمين يمشي إلى جانبه ، قال : يا خليفة رسول الله لتركبنّ أو لأمشيّن ، فقال الصديق و يريد أن يدعمه ، وأن يقوي مركزه ، قال : واللهِ لا ركبتُ ولا نزلتَ ، وما عليّ أن تغبرّ قدماي ساعة في سبيل الله ، هذه المواقف كما قلت لكم خير للإنسان من أن يعبد الله ثمانين عاماً ، وبهذه المواقف الحكيمة انتهت فتنة السقيفة ، وحارب المرتدين ، وقضى عليهم ، وأنفذ الصدِّيقُ الجيش الذي بعثه النبي عليه الصلاة و السلام لحرب الروم ، وأقرّ على قيادته أسامة بن زيد حبّ رسول الله ، وهذه المواقف التي وقفها الصديق كانت هي المواقف التي ثبَّتت الإيمان في نفوس أصحاب رسول الله ، وثبتت الإسلام .
    والحمد لله رب العالمين
    ***
    طه حطب
    طه حطب
    العضو المميّز
    العضو المميّز


    عدد المساهمات : 206
    القوة : 36
    تاريخ التسجيل : 04/01/2010
    العمر : 27

    سيدنا اٌبو بكر الصديق Empty جميلة يا محمد

    مُساهمة من طرف طه حطب 06/01/10, 07:25 pm

    جميلة يا محمد
    avatar
    ????
    زائر


    سيدنا اٌبو بكر الصديق Empty رد: سيدنا اٌبو بكر الصديق

    مُساهمة من طرف ???? 07/01/10, 01:48 pm

    شكرا على الإختصار يا محمد

      الوقت/التاريخ الآن هو 27/04/24, 07:44 am