بيادرنا



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

بيادرنا

بيادرنا

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
بيادرنا

منتدى تعليمي خاص


    جبران خليل جبران

    الحبيب بنتن
    الحبيب بنتن
    العضو المميّز
    العضو المميّز


    عدد المساهمات : 85
    القوة : 16
    تاريخ التسجيل : 05/01/2010
    العمر : 26

    جبران خليل جبران Empty جبران خليل جبران

    مُساهمة من طرف الحبيب بنتن 13/01/10, 05:15 pm

    حياته

    جبران خليل جبران 220px-Khali_Gibranجبران خليل جبران Magnify-clip

    جبران خليل سنة 1898





    ولد هذا الفيلسوف والأديب والشاعر والرسام من أسرة صغيرة فقيرة في بلدة بشري في 6 كانون الثاني 1883. وكانت وقتها تابعة لمتصرفية جبل لبنان
    العثمانية. كان والده خليل جبران الزوج الثالث لوالدته كاملة رحمة التي
    كان لها ابن اسمه بطرس من زواج سابق ثم أنجبت جبران وشقيقتيه مريانا
    وسلطانة.
    كان والده، خليل سعد جبران،
    يعمل راعياً للماشية ويمضي أوقاته في الشرب ولعب الورق. كان صاحب مزاج
    متغطرس، ولم يكن شخصاً محباً، كما يتذكر جبران، الذي عانى من إغاظته وعدم
    تفهمه. وكانت والدته كاملة رحمة، من عائلة محترمة وذات خلفية دينية،
    واستطاعت أن تعتني بها ماديا ومعنويا وعاطفيا وكانت قد تزوجت بخليل بعد
    وفاة زوجها الأول وإبطال زواجها الثاني. كانت شديدة السمرة، ورقيقة،
    وصاحبة صوت جميل ورثته عن أبيها.
    لم يذهب جبران إلى المدرسة لأن والده لم يعط لهذا الأمر أهمية ولذلك
    كان يذهب من حين إلى آخر إلى كاهن البلدة الذي سرعان ما أدرك جديته وذكاءه
    فانفق الساعات في تعليمه الأبجدية والقراءة والكتابة مما فتح أمامه مجال
    المطالعة والتعرف إلى التاريخ والعلوم والآداب.
    وبفضل أمه، تعلم الصغير جبران العربية، وتدرب على الرسم والموسيقى. ولما لاحظت ميل الرسم لديه، زودته بألبوم صور لـ ليوناردو دافنشي، الذي بقي معجباً به بصمت. بعد وقت طويل، كتب يقول: "لم أر قط عملاً لليوناردو دافنشي إلاّ وانتاب أعماقي شعور بأن جزءاً من روحه تتسلل إلى روحي...".
    تركت أمه بصمات عميقة في شخصيته، ولم يفته أن يشيد بها في "الأجنحة المتكسرة": "إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة "الأم
    وأجمل مناداة هي "يا أمي". كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب
    والانعطاف وكل ما في القلب البشري من الرقة والحلاوة والعذوبة. الأم هي كل
    شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في
    الضعف، هي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذي يفقد أمه يفقد
    صدراً يسند إليه رأسه ويداً تباركه وعيناً تحرسه...".
    سنواته الأولى أمضاها جبران لا مبالياً، رغم الشجارات بين والديه
    والسقوط من فوق ذلك المنحدر الذي ترك فيه التواء في الكتف. تتلمذ في العربية والسريانية على يد الأب جرمانوس. وعلمه الأب سمعان القراءة والكتابة في مدرسة بشري الابتدائية. ويروي صديقه الكاتب ميخائيل نعيمة أن الصغير جبران كان يستخدم قطعة فحم ليخط بها رسومه الأولى على الجدران. ويحكى أنه طمر يوماً، وكان عمره أربع سنوات، ورقة في التراب وانتظر أن تنبت.
    في العاشرة من عمره وقع جبران عن إحدى صخور وادي قاديشا وأصيب بكسر في كتفه اليسرى، عانى منه طوال حياته.
    لم يكف العائلة ما كانت تعانيه من فقر وعدم مبالاة من الوالد، حتى جاء الجنود العثمانيون عام (1891)
    وألقوا القبض عليه أودعوه السجن بسبب سوء إدارته الضرائب التي كان يجيبها.
    أدين، وجرد من كل ثرواته وباعوا منزلهم الوحيد، فاضطرت العائلة إلى النزول
    عند بعض الأقرباء ولكن الوالدة قررت ان الحل الوحيد لمشاكل العائلة هو
    الهجرة إلى الولايات المتحدة الإميركية سعيا وراء حياة أفضل.
    [عدل] العودة إلى لبنان


    قررت عائلة جبران وخصوصا أمه أن الشهرة المبكرة ستعود عليه بالضرر، وانه لا بد أن يعود إلى لبنان لمتابعة دراسته وخصوصا من أجل إتقان اللغة العربية .. وكان قد أثار تردد جبران المتزايد إلى أوساط "داي
    الذي لم تكن سمعته تدعو للارتياح، قلق الأسرة. وازدادت الأمور سوءاً بعد
    أن وقع في شراك زوجة تاجر في الثلاثين من عمرها، وغيابه المتكرر عن البيت
    ليلاً. وكان قد فتن قبلها بامرأة أخرى... وفكرت كاملة بإعادة ابنها
    المراهق إلى لبنان. فلم يعترض جبران فعاد إلى بيروت وهو يتكلم لغة إنكليزية ضعيفة، ويكاد ينسى العربية أيضا.
    رحل إلى بيروت في 30 آب 1898. كان بين أمتعته الأناجيل وكتاب لتوماس بلفنيتش في الميثولوجيا اكتشف فيه الفنان الناشئ جبران دراما بروميثيوس، وأسطورة أورفيوس، والنبي الفارسي زرادشت، والفلسفة الفيثاغورسية، والأساطير الهندية...
    هرع جبران فوراً إلى بشري، وحضن أبيه، وتوافد الأقارب والأصدقاء لرؤية "الأمريكي". كان بينهم أستاذه الشاعر والطبيب سليم الضاهر، الذي نصحه بمتابعة دروسه في "كوليج دو لا ساجيس
    التي بقي فيها زهاء ثلاث سنوات. ورغم تأخره في [العربية الفصحى، "طلب"
    الفتى قبوله في صف أعلى وعدم سؤاله قبل ثلاثة أشهر. وقبل القيمون "شروط"
    جبران، الذي أعجبتهم جرأته وقوة شخصيته. كان من بين أساتذته الأب يوسف حداد، الشاعر والكاتب المسرحي الذي اكتشف برفقته كنوز اللغة العربية، وابن خلدون، والمتنبي، وابن سينا، والشعراء الصوفيين. وبدأ يجيد التعبير عن أفكاره بلغته الأم، وكتب أولى نصوصه بالعربية. وتعلم الفرنسية
    وأخذ يقرأ آدابها. ويتذكر جبران أن تلك المدرسة كانت صارمة؛ وأنه لم يكن
    يمتثل لمعلميه؛ وأنه كان أقل تعرضاً للعقاب من بقية التلاميذ، لأنه كان
    يدرس كثيراً. كان في الصف يسرح في فكره دائماً، ويرسم، ويغطي كتبه ودفاتره
    برسوم كاريكاتورية لأساتذته. كان جبران في نظر رفاق الصف غريباً، بشعره الطويل الذي يرفض قصه، ومواقفه غير المألوفة.
    في بداية العام 1900، مع مطلع القرن الوليد، تعرف جبران على يوسف الحويك واصدرا معا مجلة المنارة وكانا يحررانها سوية فيما وضع جبران رسومها وحده. وبقيا يعملان معا بها حتى أنهى جبران دروسه بتفوق واضح في العربية والفرنسية والشعر (1902) وكان في عام 1901 تم اختيار إحدى قصائده لنيل الجائزة التقديرية. وكان يتوق بحماس لنيل هذه الجائزة، لأن التلميذ الممتاز في هذه المدرسة هو الأكثر موهبة في الشعر، كما قال.
    [عدل] عودته إلى أمريكا .. والمآسي في انتظاره


    وقد وصلته أخبار عن مرض أفراد عائلته، فيما كانت علاقته مع والده تنتقل من سيء إلى أسوأ فغادر لبنان عائدا إلى بوسطن، ولكنه لسوء حظه وصل بعد وفاة شقيقته سلطانة. وخلال بضعة أشهر كانت أمه تدخل المستشفى لإجراء عملية جراحية لاستئصال بعض الخلايا السرطانية. قرر شقيقه بطرس ترك المحل التجاري والسفر إلى كوبا. وهكذا كان على جبران أن يهتم بشؤون العائلة المادية والصحية. ولكن المآسي تتابعت بأسرع مما يمكن احتماله. فما لبث بطرس أن عاد من كوبا مصابا بمرض قاتل هو ( السل ) وقضى نحبه بعد أيام قليلة في 12 آذار 1903 فيما فشلت العملية الجراحية التي أجرتها الوالدة في استئصال المرض وقضت نحبها في 28 حزيران من السنة نفسها.
    إضافة إلى كل ذلك كان جبران يعيش أزمة من نوع آخر، فهو كان راغبا في إتقان الكتابة باللغة الإنكليزية، لأنها تفتح أمامه مجالا أرحب كثيرا من مجرد الكتابة في جريدة تصدر بالعربية في أميركا كالمهاجر
    ولا يقرأها سوى عدد قليل من الناس. ولكن انكليزيته كانت ضعيفة جدا. ولم
    يعرف ماذا يفعل، فكان يترك البيت ويهيم على وجهه هربا من صورة الموت
    والعذاب. وزاد من عذابه أن الفتاة الجميلة التي كانت تربطه بها صلة
    عاطفية، وكانا على وشك الزواج في ذلك الحين جوزيفين بيبادي، عجزت عن مساعدته عمليا، فقد كانت تكتفي بنقد كتاباته الإنكليزية ثم تتركه ليحاول إيجاد حل لوحده. في حين أن صديقه الآخر الرسام هولاند داي لم يكن قادرا على مساعدته في المجال الأدبي كما ساعده في المجال الفني.
    مع فجر القرن العشرين، كانت بوسطن، التي سميت أثينا
    الأمريكية، مركزاً فكرياً حيوياً اجتذب فنانين مشهورين وواعدين. وكان
    بعضهم راغباً في الخروج من معاقل المادية للبحث عن سبل فنية جديدة
    واستكشاف ميثولوجيا وحضارات الشرق بل وعلومه الباطنية والروحية. وغاص
    جبران في هذا المجتمع البوسطني الذي تزدهر فيه حركات صوفية كان أبلغها تأثيراً الحكمة الإلهية التي أنشأتها عام 1875 الأرستقراطية الروسية هيلينا بتروفنا بلافاتسكي التي اطلعت على تراث الهند، والتيبت وشجعت نهضة البوذية والهندوسية. وشيئاً فشيئاً، اتضح له أن الروحانية الشرقية التي تسكنه يمكن أن تجد تربة خصبة في هذه البيئة المتعطشة للصوفية... .
    في 6 كانون الثاني 1904، عرض "داي" على جبران عرض لوحاته في الربيع القادم. لم يكن أمامه سوى أربعة أشهر. وبتأثيرات من عالم "وليم بليك"، أنجز رسوماً عديدة تفيض بالرمزية. اجتذبت أعماله كثيراً من الفضوليين، ولكن قليلاً من الشارين. وعبر عدد من النقاد عن إعجابهم بها.
    قدمته جوزفين إلى امرأة من معارفها اسمها ماري هاسكل (1904)، فخطّت بذلك صفحات مرحلة جديدة من حياة جبران.
    كانت ماري هاسكل
    امرأة مستقلة في حياتها الشخصية وتكبر جبران بعشر سنوات، وقد لعبت دورا
    هاما في حياته منذ أن التقيا. فقد لاحظت أن جبران لا يحاول الكتابة بالإنكليزية، بل يكتب بالعربية أولا ثم يترجم ذلك. فنصحته وشجعته كثيرا على الكتابة بالإنكليزية مباشرة. وهكذا راح جبران ينشر كتاباته العربية في الصحف أولا ثم يجمعها ويصدرها بشكل كتب، ويتدرب في الوقت نفسه على الكتابة مباشرة بالإنكليزية.
    عزم جبران على البحث عن عمل أكثر ربحاً من الرسم. ولما علم بأن شاباً لبنانياً يدعى "أمين غريّب" أصدر صحيفة بالعربية في نيويورك اسمها "المهاجر"، تقرب منه وأطلعه على رسومه وكتاباته وقصائده. قبل "غريب" مقابل دولارين في الأسبوع لجبران. وظهرت أول مقالة له في "المهاجر" بعنوان "رؤية". كان نصاً مفعماً بالغنائية أعطى الكلام فيه لـ "قلب الإنسان، أسير المادة وضحية قوانين الأنام".
    وفي 12 تشرين الثاني 1904، احترق مبنى معرض "داي
    وأتى على موجوداته كلها، بما في ذلك رسوم جبران. وتحت صدمة الحريق، الذي
    وصفه بأنه مشهد جديد من التراجيديا التي يعيشها منذ سنتين، أصبح جبران
    يكتب أكثر مما يرسم. وخصه "أمين غريب" بزاوية منتظمة بعنوان "أفكار"، ثم استبدله بعنوان "دمعة وابتسامة"، حيث راح جبران يتحدث عن المحبة، والجمال والشباب والحكمة. ونشرت له "المهاجر" عام 1905 كتاباً بعنوان "الموسيقى".
    [عدل] باريس .. مرحلة جديدة


    كانت باريس في بدايات القرن العشرين حلم فناني العالم كله. بعد وصوله إليها بوقت قصير، أقام في "مونبارناس"، وسرعان ما انتسب إلى "أكاديمية جوليان"، أكثر الأكاديميات الخاصة شعبية في باريس، التي تخرج منها فنانون كبار، "ماتيس"، و"بونار"، و"ليجيه"... وانتسب كطالب مستمع إلى "كلية الفنون الجميلة". أوقات فراغه، كان جبران يقضيها ماشياً على ضفاف نهر السين ومتسكعاً ليلاً في أحياء باريس القديمة. بعد أن ترك باريس لاحقاً، قال لصديقه "يوسف حويك" الذي عاش معه سنتين في مدينة النور: "كل مساء، تعود روحي إلى باريس وتتيه بين بيوتها. وكل صباح، أستيقظ وأنا أفكر بتلك الأيام التي أمضيناها بين معابد الفن وعالم الأحلام...".
    لم يستطع جبران البقاء طولاً في "أكاديمية جوليان"، حيث وجد أن نصائح أستاذه فيها لم تقدم له أية فائدة. من المؤكد أن أسلوبه لم يستطع إرضاء روح جبران الرومانسية. في بداية شباط 1909، عثر الفنان على أستاذ جديد: "بيير مارسيل بيرونو"، "الفنان الكبير والرسام الرائع والصوفي.."،
    حسب عبارة جبران. لكنه تركه أخيراً، بعد أن نصحه الفنان الفرنسي بالانتظار
    والتمهل حتّى ينهي كل قاموس الرسم، فجبران نهم إلى المعارف والإبداع وراغب
    في حرق المراحل.. .
    تردد حينذاك إلى أكاديمية "كولاروسي
    المتخصصة في الرسم على النموذج، والتي كانت تستقبل فنانين أجانب، غير أن
    جبران كان يفضل العمل وحيداً وبملء الحرية في مرسمه، وزيارة المعارض،
    والمتاحف، كمتحف اللوفر، الذي كان يمضي ساعات طويلة في قاعاته الفسيحة. وأعطى دروساً في الرسم لبعض الطلبة. وانخرط في مشروع طموح: رسم بورتريهات شخصيات شهيرة، وقد ابتدأها بالنحات الأمريكي "برتليت"، دون أن نعرف بدقة إن كان قد التقى بهؤلاء.
    في هذه الأثناء، توفي والده. وكتب إلى ميري هاسكل يقول: "فقدت والدي.. مات في البيت القديم، حيث ولد قبل 65
    سنة.. كتب لي أصدقاؤه أنه باركني قبل أن يسلم الروح. لا أستطيع إلاّ أن
    أرى الظلال الحزينة للأيام الماضية عندما كان أبي، وأمي وبطرس وكذلك أختي
    سلطانة يعيشون ويبتسمون أمام وجه الشمس...".
    كان جبران دائم الشك، طموحاً، ومثالياً، متصوراً أنه يستطيع إعادة
    تكوين العالم، وسعى إلى إقناع الآخرين بأفكاره ونظرياته حول الفن،
    والطبيعة...، وقلقاً، وكثير التدخين، وقارئاً نهماً، وقد أعاد قراءة "جيد" و"ريلكه" و"تولوستوي" و"نيتشه"، وكتب نصوصاً بالعربية وصفها المحيطون به بأنها "حزينة ووعظية".
    في ذلك الوقت، قدم إلى باريس عدد كبير من دعاة الاستقلال السوريين واللبنانيين، المطالبين بحق تقرير المصير للبلدان العربية الواقعة تحت النير العثماني. وظهرت فيها جمعيات سرية تطالب بمنح العرب في الإمبراطورية العثمانية حقوقهم السياسية وبالاعتراف بالعربية لغة رسمية... وتردد جبران إلى هذه الأوساط وتشرب بأفكارها. ورأى أن على العرب أن يثوروا على العثمانيين وأن يتحرروا بأنفسهم.
    رغب جبران في التعريف بفنه. ونجح في الوصول إلى أشهر معارض باريس السنوية، معرض الربيع، حيث استطاع أن يعرض لوحة عنوانها "الخريف"، آملاً أن يمر بها "رودان العظيم"
    فيعجب بها ويثمنها. جاء الفنان الفرنسي، ووقف لحظة أمامها، وهز رأسه،
    وتابع زيارته. بعد ذلك، راح يهيئ اللوحات التي دعي لعرضها في معرض الاتحاد
    الدولي للفنون الجميلة في باريس الذي دعي إليه بشكل رسمي. إلاّ أن عدم الاستقرار أتعبه، فتخلى عن المشروع ليترك باريس ولم تتسن له بعد ذلك العودة قط إلى مدينة الجمال والفنون، ولا إلى مسقط رأسه لبنان. ولم تأته فرصة لرؤية إيطاليا التي طالما حلم بزيارتها.
    [عدل] غادر باريس ليعود إلى بوسطن


    عام 1908
    غادر جبران إلى باريس لدراسة الفنون وهناك التقى مجددا بزميله في الدراسة
    في بيروت يوسف الحويك. ومكث في باريس ما يقارب السنتين ثم عاد إلى أميركا
    بعد زيارة قصيرة للندن برفقة الكاتب أمين الريحاني.
    وصل جبران إلى بوسطن في كانون الأول عام 1910،
    حيث اقترح على ماري هاسكل الزواج والانتقال إلى نيويورك هربا من محيط
    الجالية اللبنانية هناك والتماسا لمجال فكري وأدبي وفني أرحب. ولكن ماري
    رفضت الزواج منه بسبب فارق السن، وان كانت قد وعدت بالحفاظ على الصداقة
    بينهما ورعاية شقيقته مريانا العزباء وغير المثقفة.
    وهكذا انتقل جبران إلى نيويورك ولم يغادرها حتى وفاته. وهناك عرف نوعا
    من الاستقرار مكنه من الانصراف إلى أعماله الأدبية والفنية فقام برسم
    العديد من اللوحات لكبار المشاهير مثل رودان وساره برنار وغوستاف يانغ
    وسواهم.
    [عدل] ماري العزيزة


    حال وصوله إلى بوسطن في بداية تشرين الثاني، هرع لرؤية أخته "مارينا".
    ثم مضى للقاء "ميري"، التي أعلمته على الفور ـ حرصاً منها على إبقاء
    الفنان تحت رعايتها ـ بأنها مستعدة للاستمرار في منحه الخمسة وسبعين
    دولاراً التي كانت تقدمها له إبان إقامته الباريسية. ونصحته باستئجار بيت
    أوسع لممارسة فنه بحرية. وساعدته في تحسين لغته الإنكليزية. وتعززت
    صداقتهما. وفي 10 كانون الأول، زارها في بيتها لمناسبة عيد ميلادها السابع
    والثلاثين، وعرض عليها الزواج. لكنها رفضت بحجة أنها تكبره بعشر سنوات.
    وكتب لها فيما بعد أنها جرحته بهذا الرفض. وقررت "ميري" أن تتراجع وتقبل.
    ثم عادت فرفضت مرة أخرى.. ربما بسبب علاقاته مع نساء أخرىات، أو لخوفها من
    الزواج بأجنبي. وسعى جبران بعد ذلك لإغراق خيبة أمله في العمل. وسرعان ما
    شعر بأن بوسطن مدينة باردة وضيقة وأنها أصغر من طموحاته الفنية، خصوصاً
    بعد تلك الإقامة في باريس الرحبة والدافئة، عدا الجرح الذي تركته فيه
    "ميري". وقرر المغادرة إلى نيويورك. حزم حقائبه غير آسف، حاملاً معه
    مخطوطة "الأجنحة المتكسرة" ونسخة من "هكذا تكلم زرادشت" لنيتشه.
    [عدل] نيويورك


    قال الشاعر والكاتب الفرنسي "بول كلودل" بعد وصوله إلى نيويورك عام 1838:
    " بالنسبة للغريب الذي يقع هنا، جاهلاً كل شيء ودواعي كل شيء، تكون أيامه
    الأولى مذهلة..". إلاّ أن جبران فهمها فوراً: "نيويورك ليست مكاناً يمكن
    أن يجد فيه المرء راحة". بدأ إقامته بزيارة متحف "متروبوليتان ميوزم أف
    آرت"، الذي خرج منه مندهشاً. تعرف إلى الجالية اللبنانية، وبعض مشاهير
    نيويورك. في هذه الأثناء، جاءت "ميري" إلى نيويورك ووجدته يرسم لوحة
    "إيزيس". زارا بعض المتاحف والأوابد. وبعد ذلك، عادا معاً إلى بوسطن، حيث
    تهيأت الصديقة لقضاء عطلة في غرب البلاد. وعرضت حينذاك على جبران مبلغ
    خمسة آلاف دولار دفعة واحدة بدلاً من المبالغ الصغيرة المتقطعة. قبل
    بالعرض وألح بأن يوصي لها بكل ما يملك، عرفاناً بجميلها. وكتب وصية أدهشت
    أصدقاءه. أوصى بكل لوحاته ورسومه إلى "ميري" أو إن كانت متوفاة، إلى "فرد
    هولاند داي" وبمخطوطاته الأدبية إلى أخته وبكتبه في لبنان إلى مكتبة بشري.
    استغل جبران الصيف لإنهاء "الأجنحة المتكسرة" وروتشة لوحة "إيزيس"،
    وبدأ برسم لوحات جديدة، وزين بالرسوم كتاباً لأمين الريحاني، وكتب
    مقالتين، إحداهما بعنوان "العبودية"، حيث يندد بالعبودية التي تقود شعباً
    وفقاً لقوانين شعب آخر، والأخرى بعنوان "أبناء أمي" يتمرد فيها على
    مواطنيه الذين لا يثورون في وجه المحتل. وحضر محاضرة للشاعر والكاتب
    المسرحي الإيرلندي "وليم ييتس" (جائزة نوبل 1923)، وتعارفا والتقيا مراراً.
    في 18 تشرين الأول عاد جبران إلى نيويورك وأقام في مبنى "تنث ستريت
    ستوديو" المخصص للفنانين. في هذه السنة نشر روايته "الأجنحة المتكسرة"،
    أكثر أعماله رومانسية، والتي أنبأت بأسلوبه وفكره المستقبليين.
    في 15 نيسان 1912، هزت العالم حادثة غرق الـ "تيتانيك"، التي كان على
    متنها مئات الأشخاص، بينهم 85 لبنانياً، غرق 52 منهم. كانت الكارثة صدمة
    بالنسبة لجبران، الذي عز عليه النوم تلك الليلة. في اليوم نفسه، التقى
    بعبد البهاء، ابن بهاء الله مؤسس حركة البهائية الروحية في إيران، ودعاه
    لإلقاء خطاب أمام أعضاء "الحلقة الذهبية" حول وحدة الأديان.
    في بداية الخريف، التقى جبران بالكاتب والروائي الفرنسي "بيير لوتي"،
    الذي جاء إلى نيويورك لحضور عرض مسرحية "بنت السماء" التي ألفها مع ابنة
    الأديب والشاعر الفرنسي "تيوفيل غوتيه". وقد عبر له "لوتي" عن قرفه من صخب
    أمريكا وقدم له نصيحة: "أنقذ روحك وعد إلى الشرق؛ مكانك ليس هنا‍‍!".
    كيف يمكننا تصور جبران في هذه الفترة من حياته؟ كانت له ملامح أهل
    قريته: وجه ملوح بالسمرة، وأنف بارز، وشارب أسود وكثيف، وحاجبان مقوسن
    كثان، وشعر معقوص قليلاً، وشفتان ممتلئتان؛ وجبين عريض مهيب مثل قبة،
    وعينان يقظتان تنمان عن ذكاء هذا الشخص قصير القامة ذي الابتسامة المشرقة
    الموحية ببراءة الأطفال؛ "مكهرِب، ومتحرك كاللهب" (ميري)؛ وطبيعة هي أقرب
    إلى الحزن؛ محب للانعزال ("الوحدة عاصفة صمت تقتلع كل أغصاننا الميتة")،
    ويجد لذة في العمل؛ أنوف، وبالغ الحساسية، ولا يتسامح مع أي نقد؛ مستقل
    وثائر بطبيعته، يأبى الظلم بأي شكل.
    كان يدخن كثيراً: "اليوم ـ كتب إلى ميري ـ، دخنت أكثر من عشرين سيجارة.
    التدخين بالنسبة لي هو متعة وليس عادة مستبدة...". وليلاً، كي يبقى
    متنبهاً ويستمر في عمله، كان يتناول القهوة القوية ويأخذ حماماً بارداً.
    إلا أن أسلوب الحياة إياه بدأ ينهك جسمه ويضفي عليه ملامح الكبر.
    في العام 1913، التقى بعدد من مشاهير عالم الفن النيويوركيين، مثل
    الشاعر "ويتر بوينر". وفي شباط، تخلى لـ "ميري" عن مجموعة من لوحاته وفاء
    للدين، متمنياً أن يتخلص من هذا الوضع الذي كان يضايقه. وعاد إلى إكمال
    مجموعة بورتريهاته، مخصصاً إحداهاللمخترع الأمريكي "توماس إديسون" وأخرى
    لعالم النفس السويسري "كارل غوستاف يونغ" الذين قبلا الجلوس ليرسمهما
    جبران. والتقى بالفيلسوف الفرنسي "هنري برجسون" الذي وعده بأن يسمح له
    برسمه في باريس، معتذراً آنئذ بسبب الإنهاك من السفر، وبالممثلة الفرنسية
    "ساره برنهاردت": "باختصار، كانت لطيفةـ يؤكد جبران. حدثتني بفرح غامر عن
    أسفارها إلى سورية ومصر، وأخبرتني أن أمها كانت تتكلم العربية وأن موسيقى
    هذه اللغة كانت وما تزال حية في نفسها". وقبلت أن تجلس ليرسمها، ولكن عن
    بعد "كي لا تظهر ملامح وجهها". كانت قد أصبحت في عامها التاسع والستين.
    في نيسان 1913، ظهرت في نيويورك مجلة "الفنون"، التي أسسها الشاعر المهجري الحمصي نسيب عريضة.
    ونشر فيها جبران مقالات متنوعة جداً وقصائد نثرية. ووقع فيها على دراسات
    أدبية كرسها لاثنين من كبار الصوفيين، الغزالي وابن الفارض، الذين تأثر
    بأفكارهما.
    [عدل] الأديبة ماري زيادة


    "مي" هو الاسم الذي اختارته تلك المرأة القلقة، التي تبدو، كالبحر، تارة هادئة وشفافة، وأخرى ثائرة. ولدت عام 1886، من أب لبناني وأم فلسطينية. رحلت أسرتها عام 1908 إلى القاهرة.
    أتقنت لغات عدة، وأظهرت مواهب استثنائية في النقد والأدب والصحافة. حولت
    دارتها في القاهرة إلى صالون أدبي، وراحت تستقبل فيها كبار الأدباء
    والمثقفين، كـ طه حسين وعباس محمود العقاد و يعقوب صروف. اكتشفت جبران عام 1912،
    عبر مقالته "يوم مولدي" التي ظهرت في الصحافة. وأسرها أسلوبه. وقرأت
    "الأجنحة المتكسرة" وخالفته في رأيه للمرأة في هذه الرواية. تراسلا،
    وتبادلا في رسائلهما الإطراء وتحدثا عن الأدب. روى لها همومه اليومية،
    وطفولته وأحلامه وأعماله. وانعقدت بينهما علاقة ألفة وحب. وطلب منها عام 1913 تمثيله وقراءة كلمته في حفل تكريم شاعر القطرين خليل مطران.
    كانت "مي" حساسة جداً وحالمة. ولما انقطعت رسائل جبران عقب قيام الحرب
    العالمية الأولى، تعلقت بذكرى مراسلها البعيد ورفضت كل الطامحين إلى
    الزواج منها. وتمنت في مقالة لها أن تكون بقرب ذلك الوجه الذي يمنع البعاد
    رؤيته.
    لم يلتقيا قط، غير أن الكاتبين شعرا أنهما قريبان أحدهما من الآخر،
    وأحس أن "خيوطاً خفيفة" تربط بين فكرهما وأن روح "مي" ترافقه أينما اتجه.
    في عام 1921،
    أرسلت له صورتها، فأعاد رسمها بالفحم. واكتشف بسعادة أنها امرأة مليئة
    الوجه، ذات شعر بني قصير، وعينين لوزيتي الشكل يعلوهما حاجبان كثان،
    وشفتين ممتلئتين. وجد في نظرتها البراقة شيئاً معبراً يجتذبه، وفي ملامحها
    بعضاً من الذكورة، صرامةً كامنة تضفي عليها مزيداً من الجاذبية: "مي" تجسد
    الأنوثة الشرقية. كان في هذه المرأة كل ما يعجبه، غير أنها بعيدة جداً.
    ولم يكن يشعر أنه مهيأ بعد لترك أمريكا فيتخلى عن حريته. هذا الحب الروحي،
    الفكري، أعجبه. ولكن هل فكر بمجرد ما لكماته من وقع على قلب مراسلته؟.
    في عام 1923،
    كتب لها يقول دون كلفة: "أنت تعيشين فيّ وأنا أعيش فيك، تعرفين ذلك
    وأعرفه". كانت "مي"، كلما بدت عبارات مراسلها أكثر جرأة أو شابها بعض
    سخرية من تعبير اختارته دون قصد منها، تلجأ إلى "مقاطعته" وتلوذ بصمت
    يستمر أشهراً أحياناً. مشاعرها الحقيقية كانت تبوح بها في مقالاتها. وإن
    كانت قد خصت أعماله بمقالات نقدية مدحية، فقد نهرته في أخرى. وفي مقالة
    بعنوان "أنت، الغريب"، عبرت عن كل هواها نحو "ذاك الذي لا يعرف أنها تحبه"
    و"الذي تبحث عن صوته بين كل الأصوات التي تسمعها".
    في رسالة له عام 1924، عبرت له "مي" عن خوفها من الحب. ورد عليها
    جبران: ".. هل تخافين ضوء الشمس؟ هل تخشين مد البحر وجزره؟...". فاجأه
    موقفها. وبدا أنه اختار التراجع لإنقاذ حريته أو وقته، مفضلاً عدم
    الانطلاق في علاقة قد تتطلب منه ومنها تضحيات كبيرة. أدركت "مي" حينذاك،
    بمرارة، سوء التفاهم بين رغبتها وفكرة جبران عن علاقتهما. وأسفت أنها كانت
    على هذا القدر من الصراحة والمباشرة. وصمتت ثمانية أشهر، رآها جبران
    "طويلة كأنها أزل".
    رغم كل شيء استمرت مراسلاتهما متباعدة، حتى وفاة جبران لتبقى واحدة من الأخصب والأجمل في الأدب العربي.
    [عدل] الحرب الكبرى


    أقلقت الحرب جبران رغم بعده عن ساحات المعارك بآلاف الكيلومترات. وجعله
    الوضع في لبنان مضطرباً: استولت السلطات العثمانية على كل موارد البلد،
    وصادرت الماشية، وانتشرت المجاعة، وقمع المعارضون وعلق جمال باشا السفاح
    مشانق الوطنيين اللبنانيين والعرب في الساحات العامة. وشعر بالذنب لبعده
    عن "أولئك الذين يموتون بصمت". ولم يتردد في قبول منصب أمين سر لجنة
    مساعدة المنكوبين في سوريا وجبل لبنان. وساهم بمشاركة الجالية السورية ـ
    اللبنانية في بوسطن ونيويورك في إرسال باخرة مساعدات غذائية إلى مواطنيه.
    دفع هذا النشاط بعض الكتاب لأن يجعلوا من جبران أيديولوجياً وصاحب
    نظرية سياسية، غير أنه لم يكن من ذلك في شيء. وقد رد على من حضه للقيام
    بدور الزعيم السياسي بالقول: "لست سياسياً، ولا أريد أن أكون كذلك". كان
    دافعه هو حس المسؤولية وتلبية نداء الواجب. كان همه إنسانياً، تحرير الوضع
    البشري من كل عبودية.
    [عدل] أدبه


    كان في كتاباته اتجاهين، أحدهما يأخذ بالقوة ويثور على العقائد والدين، والآخر يتتبع الميول ويحب الاستمتاع بالحياة.
    أبطأ هذا النشاط الإنساني والأخبار المأساوية التي توافدت عليه من
    أوروبا والمشرق نتاجه الأدبي. صحيح أنه نشر عام 1914 مجموعته "دمعة
    وابتسامة"، غير أنها لم تكن سوى جمع لمقالات بالعربية (56 مقالة) نشرت في
    "المهاجر"، وكان هو نفسه قد تردد في نشرها. كانت ذات نفحة إنسانية وضمت
    تأملات حول الحياة، والمحبة، والوضع في لبنان وسورية، وقد اتخذت شكل
    القصيدة المنثورة، الأسلوب غير المعروف في الأدب العربي، وقد كان رائده.
    في هذه الفترة تقريباً، شعر بالحاجة للكتابة بالإنكليزية، هذه اللغة
    التي يمكن أن تفتح له الكثير من الأبواب وتمكنه من ملامسة الجمهور
    الأمريكي. قرأ "شكسبير" مرة أخرى، وأعاد قراءة الكتاب المقدس مرات عدة
    بنسخة "كينغ جيمس".. . كانت إنكليزيته محدودة جداً، غير أنه عمل طويلاً
    وبجد حتى أتقن لغة شكسبير ولكن دون أن يتخلى عن لغته الأم: "بقيت أفكر
    بالعربية". ".. كان غنى العربية، التي أولع بها، يدفعه دائماً إلى سبر
    الكلمة التي تتوافق بأفضل شكل مع مثيلتها في الإنكليزية، بأسلوب بسيط
    دائماً..."، كما ذكرت مساعدته بربارة يونغ.
    من أين يبدأ؟ كان أمامه مشروع "النبي"، الذي نما معه منذ الطفولة. سار
    العمل بطيئاً جداً. أراد أخيراً أن يجد موضوعاً يستقطب أفكاره ولغته
    الثانية. وفكر جبران: ما الذي يمكن، مع الإفلات من العقاب، أن يكشف حماقة
    الناس وجبنهم وينتزعه حُجُب المجتمع وأقنعته؟. المجنون. أغرته الفكرة. لم
    ينس "قزحيّا" في الوادي المقدس وتلك المغارة التي كانوا يقيدون فيها
    المجانين لإعادتهم إلى صوابهم، كما كانوا يعتقدون. في "يوحنا المجنون"،
    كان قد كتب يقول إن "المجنون هو من يجرؤ على قول الحقيقة"، ذاك الذي يتخلى
    عن التقاليد البالية والذي "يصلب" لأنه يطمح إلى التغيير. برأيه، "أن
    الجنون هو الخطوة الأولى نحو انعدام الأنانية... هدف الحياة هو تقريبنا من
    أسرارها، والجنون هو الوسيلة الوحيدة لذلك". وهكذا، عنوان كتابه القادم: (بالإنجليزية: The Madman). وبقي أن يكتبه.
    في هذه الأثناء، شارك في مجلة جديدة، The Seven Arts¡ التي كان ينشر فيها كتاب مشهورون، مثل جون دوس باسوس وبرتراند راسل، ومن خلالها أضحى مشهوراً في الأوساط الفنية النيويوركية، حيث نشر رسومه ونصوصه الأولى بالإنكليزية.
    كانت فترة 1914 ـ 1916 غنية باللقاءات: تردد جبران إلى صالونات المجتمع
    الراقي الذي كانت تديره نساء متنفذات. تعرف إلى الفنانة الشهيرة "روز
    أونيل"، وعمدة نيويورك، والشاعرة "آمي لويل"، والرسام الرمزي "ألبرت
    رايدر". ودعي عدة مرات إلى Poetry Society of America¡ التي ألقى فيها
    مقتطفات من كتاب Madman¡ الذي كان بصدد تأليفه، أمام حضور منتبه.
    في خريف 1916، التقى مرة أخرى بمخائيل نعيمة،
    الذي ألف فيه كتاباً، جبران خليل جبران". كان "نعيمة" يدرس في روسيا قبل
    أن يتوجه إلى الولايات المتحدة، حيث درس أيضاً القانون والآداب. كتب
    كلاهما في "الفنون"، وكلاهما آمنا بالتقمص، وناضل كلاهما من أجل تحرير
    بلدهما عبر لجنة المتطوعين، جبران كمسؤول عن المراسلات بالإنكليزية ونعيمة
    كمسؤول عن المراسلات بالعربية.
    في كانون الأول 1916، التقى أخيراً بـ "رابندراناته طاغور"، الشاعر
    الهندي الشهير، المتوج بجائزة نوبل في الآداب لعام 1913. وكتب إلى "ميري"
    في وصفه قائلاً: "حسن المنظر وجميل المعشر. لكن صوته مخيِّب: يفتقر إلى
    القوة ولا يتوافق مع إلقاء قصائده...". بعد هذا اللقاء، لم يتردد صحفي
    نيويوركي في عقد مقارنة بين الرجلين: كلاهما يستخدمان الأمثال في كتاباته
    ويتقنان الإنكليزية واللغة الأم. وكل منهما فنان في مجالات أخرى غير
    الشعر".
    مع اقتراب الحرب من نهايتها، أكب جبران أكثر على الكتابة. ألف مقاطع
    جديدة من "النبي"، وأنهى كتابه "المجنون"، التي اشتملت على أربعة وثلاثين
    مثلاً (قصة قصيرة رمزية) وقصيدة. أرسلها إلى عدة ناشرين، لكنهم رفضوها
    جميعاً بحجة أن هذا الجنس الأدبي "لا يباع". لكنه وجد ناشراً أخيراً، وظهر
    العمل عام 1918 مزيناً بثلاثة رسوم للمؤلف. وكان جبران قد كتب بعض نصوصه
    بالعربية أصلاً، ثم ترجمها إلى الإنكليزية. ويروي فيه حكاية شخص حساس ولكن
    "مختلف"، يبدأ بإخبارنا كيف أصبح مجنوناً. "... في قديم الأيام قبل ميلاد
    كثيرين من الآلهة نهضت من نوم عميق فوجدت أن جميع براقعي قد سرقت... فركضت
    سافر الوجه في الشوارع المزدحمة صارخاً بالناس: "اللصوص! اللصوص! اللصوص
    الملاعين!" فضحك الرجال والنساء مني وهرب بعضهم إلى بيوتهم خائفين
    مذعورين... هكذا صرت مجنوناً، ولكني قد وجدت بجنوني هذا الحرية والنجاة
    معاً...". تميز أسلوب جبران في "المجنون" بالبساطة واللهجة الساخرة
    والمرارة، وشكل هذا العمل منعطفاً في أعمال الكاتب، ليس فقط لأنه أول كتاب
    له بالإنكليزية، بل لما فيه من تأمل وسمو روحي. وأرسل نسخة منه إلى "مي
    زيادة"، التي وجدته سوداوياً ومؤلماً. وأرسل نسخة أخرى إلى جيرترود باري،
    حبيبته الخبيئة. ربما أخفى جبران هذه العلاقة كي لا يجرح "ميري" ومن أجل
    أن لا

      الوقت/التاريخ الآن هو 29/04/24, 10:40 am